" فتحت "منى" عينيها بصعوبة لتجد نفسها مستلقية على الأرض، فوقها سماء واسعة، محاطة بها الرمال من كل اتجاه.
استغرقت دقائق لتتذكر ما الذي أتى بها إلى هنا، نظرت حولها لتجد على يمينها بقايا شعلة متقدة منذ الأمس كانت قد استخدمتها لشوي الطعام، وعلى يسارها شجرة محفور عليها علامات مِن صُنعها ذكَّرتها بعدد الأيام التي قضتها على سطح هذه الجزيرة المهجورة منذ اليوم الذي سقطت فيه الطائرة، ليموت جميع راكبي الطائرة، وتنجو هي وحدها!
مرت أشهر على هذا الحادث الأليم جاهدت فيه البقاء على وجه الحياة، مضت أيامها الأولى صعبة ثقيلة عانت فيها مع الجوع الوحدة، والملل، واليأس، ثم بدأت في التعايش مع الوضع الجديد.
لتخفيف من وطأة الأمر حاولت إقناع نفسها أنها ربما كانت بحاجة إلى الانعزال عن البشر؛ فقد تكون الجزيرة سبيلها للنجاة من مشاكل حياتها السابقة!
وفي يوم أتت طائرة أخرى لتنقذها، وللعجب وجدت نفسها لا تريد أن تترك حياتها على الجزيرة، لكنها ذهبت معهم على أي حال لتعود إلى حياتها السابقة مرة أخرى، وهنا شعرت أن شيء ما يعيقها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي، وتمنت لو أنها لم تعود! "
 |
| أثر العزل الاجتماعي على الصحة النفسية |
على الرغم من تكرار هذه المشهد في كثير من الحكايات إلا أنك دائمًا لا تتخيلين أن تكوني جزءا منها في يوم، لكن مع ظروف العزل الاجتماعي التي مررنا بها في الشهور الأخيرة عليكِ أن تغيري فكرتك؛ أليست طائرة حياتك قد سقطت على جزيرة العزل المنزلي؟ ولا تعلمين متى سيأتي الخلاص لتعودي إلى حياتك الطبيعية؟
سنبحر معًا اليوم في قصة "منى" ، ونتعرف من خلالها على نوع من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالعزل الاجتماعي تعرف بمتلازمة الكوخ، سنذكر أعراضها، ومدى خطورتها، ونقدم لك نصائح ذهبية للتخلص منها.
ما هي متلازمة الكوخ ؟
على الرغم من أن متلازمة الكوخ لا تُصنَّف كمرض نفسي إلا أن الأطباء النفسيين يضعونها في الاعتبار كظاهرة طبية جديدة يجب الانتباه إليها.
 | |
|
أمثلة على حالات عزل اجتماعي :
-العمل وحيدًا في مناطق نائية كالبحار والصحراء لفترات طويلة.
-البقاء في المنزل طويلًا بسبب سوء الأحوال الجوية.
-العزل المنزلي المفروض علينا الآن للحد من انتشار فيروس كورونا.
أعراض متلازمة الكوخ:
-شعور بالملل
-شعور بالملل
-حالة من التململ، وعدم السكينة.
-نقص الدافع واليأس.
-صعوبة التركيز.
-اضطرابات في النوم، وصعوبة في الاستيقاظ.
-خمول دائم ونعاس.
-انفعالية زائدة وقلة الصبر.
-حزن دائم.
-قلة ثقة بمن حولك.
-تقلب مزاج.
 |
| أعراض متلازمة الكوخ |
تعد هذه الأعراض رد فعل طبيعي وشائع لبقائك في عزلة لفترات طويلة، لكن استمرارها وتفاخمها هو ما يدعو للقلق؛ لأنه قد يؤدي إلى إصابتك بأمراض نفسية حقيقية أخرى كالاكتئاب ونوبات الهلع واضطرابات القلق.
تختلف شدة الأعراض على حسب شخصيتك، ومزاجك العام، ومدى سماحك للعزل المنزلي أن يؤثر عليكِ؛ فهناك من يتغلب على مشاعره بسهولة؛ بأن يغمس نفسه في العمل، وفي ابتكار مخارج إبداعية لقضاء الوقت وتفادي الأعراض، في حين يجد آخرون صعوبة شديدة في إدارة اليوم مع هذا الكم من المشاعر السلبية.
لكن إذا كانت أعراض متلازمة الكوخ مرتبطة بالبقاء في حالة العزل الاجتماعي فلماذا شعرت "منى" بالرغبة في البقاء على الجزيرة التي كانت سببًا في هذه الأعراض؟ ولماذا عانت من صعوبة في التكييف مع حياتها السابقة مرة أخرى؟
سنجيب عن هذا السؤال في الفقرة القادمة بذكر قصة شبيهة في الوقت الحالي.
ماذا بعد انتهاء العزل الاجتماعي؟
وجد مواطنو إيطاليا صعوبة في ممارسة حياتهم الطبيعية بعد السماح لهم بالخروج من المنزل؛ لأنهم اعتبروا المنزل ملجأ يحميهم من الإصابة بفيروس كورونا.
على الرغم من انتهاء فترة العزل المنزلي إلا أنهم ما زالوا قلقين بسبب ما عانوه، وخائفين من التكيف مرة أخرى مع الحياة!
لكن هل المصريون عرضة للإصابة بمتلازمة الكوخ؟
لا يخفى عن أحد أن المصريين غير ملتزمين بالعزل المنزلي بشكل كامل؛ لا يزال هناك تبادل للزيارات العائلية، ونزول إل الشوارع من غير حاجة ضرورية؛ لذا لا تظهر متلازمة الكوخ بصورة كبيرة في مصر.
 |
| هل المصريون عرضة للإصابة بمتلازمة الكوخ؟ |
لكن لا شك أن التزامك بالعزل المنزلي ضرورة؛ لتحافظي على حياتك وحياة الآخرين، وإذا كان بقائك في المنزل طويلًا يسبب لك بعض أعراض متلازمة الكوخ سنقدم لك ثمانية نصائح ستقلل من إحساسك بالعزلة، وتخفف من حدة الأعراض.
اقرئي أيضًا: مناعتك القوية ضد فيروس كورونا سبيلك للنجاة
8 نصائح للحد من أعراض متلازمة الكوخ
1- تواصلي مع الطبيعة
 |
| تواصلك مع الطبيعة يقلل من شعورك بالوحدة |
التعرض للهواء جيد جدًا لصحتك العقلية؛ لذا لتعويض ذلك ننصحك بالتالي :
- احرصي على تهوية المنزل، وأكثري من الوقوف في الشرفة واستشنقي الهواء.
- اقتني نباتات عطرية؛ ستدب الحياة في أوصالك مع رؤيتك للنبات يكبر يوميًا، ستتنفسين معه وتشعرين بأن الحياة مستمرة، ومعها مازال هناك فرصة للتطور والنمو.
-احرصي على متابعة فيديوهات وثائقية خاصة بالطبيعة.
-استمعي إلى تسجيلات صوتية لأصوات طبيعية كأصوات أمواج البحار والمحيطات، وزقزقة العصافير.
2- مارسي نشاط بدني
 |
| ممارسة الرياضة يحسن من صحتك النفسية |
سيساعدك تحريك جسدك في التخلص من شعورك بالاضطراب؛ فقد أثبتت الأبحاث أن ممارسي الرياضة بصورة منتظمة أقل عرضة للقلق ممن لا يمارسونها؛ إذ يقلل النشاط البدني من هرمون الكورتيزول ( هرمون القلق)، ويحفز الجسم لإفراز الاندروفين (نواقل عصبية كيميائية )، والتي ستحسن مودك وتشعرك بالسعادة.
3- غيري شكل منزلك وأعيدي ترتيب الأثاث
تذكري دائمًا أن ما تراه عينيك يؤثر على روحك وشعورك؛ لذا لا تستهيني بأثر تغييرات بسيطة في ترتيب الأثاث؛ فقد تجعل منزلك أكثر راحة وبهجة لك، وتحدث فارق في نفسيتك.
 |
| إعادة ترتيب الأثاث يحسن من مزاجك العام |
احرصي على:
- خلق مساحات أكبر في بيتك: استغني عن أي قطعة أثاث لا تريدينها، وأعيدي ترتيب الغرفة بما يحقق أكبر نسبة مساحة ممكنة.
-عمل لوحة للأحلام: علقي لوحة على الحائط، واكتبي فيها كل أحلامك المستقبلية الخاصة بحياتك العملية أوالشخصية.
إن الحلم بالأشياء الممكنة أفضل من التركيز على الخوف؛ لذا ستساعدك لوحة الأحلام على التحلي بالأمل، والتغلب على الشعور بأن المستقبل مبهم غير واضح المعالم.
4- حافظي على روتين يومي
في السابق كنت تستيقظين من نومك في معاد محدد لتذهبي إلى عملك أوجامعتك، ثم تعودين لتناول الغداء، والبدء في ممارسة مهامك اليومية، لكن مع بقائك في المنزل ستجدين يومك غير منظم؛ مما سيشعرك بالاضطراب.
ضعي روتين حياتي ثابت يشمل مواعيد أكلك ونومك وعملك أومذاكرتك ونشاطك اليومي حتى ترفيهك؛ سيحافظ هذا الروتين على تنظيم مسار حياتك، ويعطيك أهداف صغيرة يومية تُشعِرك بالإنجاز.
5- حافظي على حياتك الاجتماعية
 |
| حافظي على حياتك الاجتماعية في العزل المنزلي |
ابحثي عن طرق أخرى للتواصل مع الأصدقاء كالتحدث على الهاتف، ومكالمات الفيديو الجماعية.
تواصلك مع آخرين ممن هم في نفس موقفك في العزلة سيساعدك على الشعور بأنك لست وحدك، وبمشاركتك لأفكارك ومشاعرك وتحديات حياتك معهم قد تجدين لديهم أفكار إبداعية لقضاء الوقت، والتغلب على المشاعر السلبية.
6- فتشي عن الإبداع بداخلك واخرجيه
 |
| استغلي العزل المنزلي في اكتشاف مواهبك |
هذا هو الوقت المناسب لتذكر مواهبك ونشاطاتك الإبداعية التي تبخرت مع مرور الأيام.
قضاء الوقت في ممارسة ما تحبين سيخلصك من الشعور بالملل وقلة الراحة، ويجعل الوقت يمر سريعًا.
7- مرني عقلك
ابتعدي عن مشتتات الانتباه كالتلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، واستبدليها بما يستثير عقلك، ويعزز تركيزك وذاكرتك كألعاب الألغاز وقراءة الكتب.
8- هدئي أعصابك
لا تضعي نفسك تحت ضغط عصبي؛ فلا ينبغي أن تكون كل لحظة في العزل المنزلي مخططة ومرتبة.
اتركي لنفسك بعض الوقت للاسترخاء؛ مارسي اليوجا، التنفس العميق وتمارين الاسترخاء.
وفي النهاية، يعد العزل المنزلي تحدي كبير لكن التكيف معه ليس مستحيل؛ بإتباع النصائح السابقة ستتحسن نفسيتك وستتجنبين الإصابة بمتلازمة الكوخ وعواقبها الوخيمة.
تعليقات
إرسال تعليق